السعودية رايحة لفين أكاديميا؟

الاسبوع اللي فات اتفاجئت بدعوة شخصية باسم الدكتور محمد السقاف رئيس جامعة الملك فهد للبترول والتعدين .. الدعوة لحضور ندوة اكاديمية يوم 30 يناير 2025، في فندق The Westin Times Square، اسم الندوة The KFUPM Town Hall، بحضور أكثر من 50 بروفيسور من ارقى الجامعات في منطقة متروبوليتان نيويورك زي جامعة (كولومبيا، كورنيل، برينستون، وتورو).

البداية كانت غامضة، مقدمة الحفل قالت لنا: "كلكم هنا بدون ما تعرفوا السبب الحقيقي لدعوتكم"، فحسّينا للحظة إننا مخطوفين! لكن مع أول كلمة للدكتور محمد، تبدد الغموض. اتكلم بإنجليزية سلسة بلهجة أمريكية واثقة لكن بمخارج الفاظ "لكنة" عربية واضحة، والرجل الصراحة اثبت أمامنا تحولًا أكاديميًا لا يمكن تجاهله لجامعته.

جامعة الملك فهد اليوم هي رقم 2 عالميًا في دراسة البترول والتعدين حسب تصنيف QS World University Rankings البريطاني الاعلى موثوقية، متخطية جامعات مثل ستانفورد وطوكيو، ولا تسبقها سوى جامعة تكساس، رغم أن عمر جامعة الملك فهد لا يتجاوز 61 عامًا مقابل 141 عامًا لجامعة تكساس!

لمدة ساعتين، كشف الدكتور عن رؤية مختلفة تمامًا لإعداد اجيال بفكر جديد متحرر من القيود المعيشية .. يعني مش مجرد خريجين هدفهم وظيفة هنا ولا هناك. ودي على فكرة مقاربة مشابهة جدا لما تفعله هارفارد في تخريج رواد الأعمال من بدايتها وحتى الان. 

كان هناك تحيّز واضح في أسئلة بعض الأساتذة، وكأنهم بيقولوا: "إزاي جاي نيويورك عشان تكلمنا عن جامعة سعودية؟" (جاي تبيع مية في حارة السقايين) .. لكن النقطة اللي أجبرت الجميع على الصمت كانت كلمة واحدة تكررت كثير في حديث الدكتور وهي: "التأثير".

التأثير وليس الكم، ده الفرق. ناس كتير عندهم مؤهلات عظيمة ومهارات مبهرة، لكن قدرتهم على التأثير تساوي صفر .. التأثير يعني أنك تترك بصمة لا تُمحى، يعني صعب حد يتجاوز اعمالك او كلامك بدون الالتفات لهم والاهتمام بيهم .. وطبعا ده بقى صعب في زمن مليان بالمعلومات والمواهب المتشابهة.

بالرغم ان الكلام الحاي يزعل حبة حلوين من المتابعين .. الا ان كلمة الحق تتقال ان السعودية اليوم بتتحرك وفق استراتيجية "التأثير المطلق". بتتجه انها تكون قوة مؤثرة أكاديميًا، زي اللي بتحاول تعمله في قطاع الرياضة والترفيه (مع التحفظ) . وهو نفسه منهجية النموذج الأمريكي في القرن اللي فات لحد مابقت امريكا هي المهيمنة حتى ولو كان الموضوع في اوله بييجي بالانفاق السخي.

فهنلاقي مثلا التاثير هو الخلطة السرية اللي عند كل رؤوساء وقادة وعلماء وفنانين امريكا، وهو نتيجة خلق الظروف اللي تخلي الاجيال لا تفكر في "كيف سأعيش؟" بل "كيف سأُحدث فرقًا؟"

في أمريكا مثلا لا يمكن بل مستحيل تلاقي سعودي شغال في الشارع زي كثير من الجنسيات العربية التانية .. رغم أن كتير منهم بقوا عندهم فلوس ومؤهلات عليا ومهارات تسد عين الشمس. عارفين ليه؟ لأنهم خايفين من بكرة وانهم يرجعوا تاني حالهم كحال ابناء بلادهم.

لكن السعوديين واهل الخليج عموما اتربوا بعقلية الغني المؤثر وفهموا معادلة التأثير مقابل الكم .. وازاي اكون رقم في المعادلة مش عامل مساعد ..  وطبعا مش هنلوم الظروف في بلادنا لكن للاسف هو ده الوضع اللي وصلنا له.

نهاية الندوة، وزّعوا علينا كتيبات وكروت تعاون، ومعظم الدكاترة خرجوا مقتنعين بشيء واحد: السعودية قادمة أكاديميًا زي اللي بتعملوا في الرياضة والترفيه (مع تحفظي الشديد على ما يحدث في الترفية والرياضة). 

ولا عزاء لباقي البلاد اللى اتأخرت كتيرا جدا عما كانت عليه .. واللي اتسببت في هجرة كفائتها من الاطباء والمهندسين وغيرهم لبلاد الله الواسعة .. وبخصوص اللي لسه عندهم نظره فوقية .. اقولهم اللي بيقف مكانه الكل بيتجاوزه .. وادعوا لبلادنا بصلاح الحال .. مش هنكابر ونكون زي باشاوات ما بعد الثورة بعد ما تجاوزهم ابناء الطبقة الكادحة في السابق.


إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال